خيوط العنكبوت لكاتبتها
المحتويات
اللامعة التي تلتف حول السحب البيضاء في صورة متناغمة والقمر الساطع الذي ينير عكمة الليل في ذلك الوقت فهو يعشق السفر ليلا يفضل الهدوء والسكون والتأمل بذهن صاف رغم الضوضاء المنبعثة حوله من ثرثرة الاناس فجأة أنتشله من حالة تأمله لزرقة المياه القاتمة عزف البيانو الذي يهواه ولكن كان العزف نشازا منما جعله يشمئز من تلك الضجة المصاحبة مع أحاديث وهمهمات الفتيات وصوت العزف
لم يعد يتحمل الضجيج فقرر ترك سطح الباخرة والعودة
مرت الثلاث ليال على وجود ألبرت في الباخرة بجهد وتكبل فقد عان بهما كثيرا بسبب الضوضاء المرتفعة والجلبة التي لا تنتهي سأم ذلك الوضع عندما اقتربت الباخرة على ميناء السويس وها هنا موعد اقترابه للأراضي المصرية وتنفس الصعداء لشعوره بالراحة وعندما صدح بواق الباخرة من عبورها الميناء تبسم في هدوء واستنشق الهواء البارد الذي الفح وجهه وخصلاته السوداء التي تطاير على اثرها تداعبه برقة طفل صغير تستقبله والدته بالاحضان وتداعب وجنته الملساء باناملها الرقيقة
وبعدما انهي خروجه من الميناء بسلاسه تسأل كيفما يذهب إلى قاهرة المعز أخبره إحدى العاملين بالميناء باقلاع مركب سوف تبحر إلى نهر النيل بعد ساعة اذا كان يود الذهاب فعليه دفع الرسوم وأنتظار المركب التي تقله إلى أرض المحروسة
مصر نورت يا خواجة
طالعه ألبرت ببسمة طفيفة وقال باللغة العربية الفصحى الذي كان يدرسها ويدقنها جيدا
مصر دائما منارة بأهلها
التقط حقيبته ولوح بكفه مودعا ذاك الرجل وتطلع للمارة حوله يتفقد الاناس في هذا الصباح وعندئذ وقعت عيناه على عربة حنطور أشار إلى سائقها الجالس بمقعده ويمسك باللجام ثم ضړب الخيل بالسياط ليتحرك خطوتين للأمام حيث يقف البرت
تسمح لي أن تصلني إلى خان الخليلي
فهم الرجل لحديثه وهبط في خفة عن مقعده ليلتقط الحقيبة من يد ألبرت وهو يقول بلغته العامية البسيطة
أتفضل يا خواجة وعاد على مسامعة الترحاب الشديد بوجوده وبعدما استقل الحنطور انطلق الجواد في تهادي وتطرق السائق لعدة أحاديث وكأنه مرشدا سياحيا يخبره عن القاهرة وشعبها وملكها الملك فؤاد الأول
وللعجيب أنه لن يمل من ثرثرة السائق فقد كان مستمع جيدا له ويطلع هنا وهناك بنظرات ثاقبة يشاهد معالم مصر الحبيبة
ألي أن وصل للخان ولم يشعر بالطريق ترجل من الحنطور وأعطى الرجل مارك ألماني عملته في ذلك الوقت وسار بخطوات واسعة منبهرا بجمال خان الخليلي أحد أحياء القاهرة القديمة وهو يتمتع بجذب سياحي كبير بالنسبة لزوار القاهرة
يتميز بوجود بازارات ومحلات ومطاعم شعبية
سار ألبرت في شارع طويل يوجد به عمارات مربعة القوائم تصل بينها ممرات جانبية تقاطع الشارع الأصلي وتزحم جوانب الممرات والشارع نفسه ب الدكاكين فدكان للساعاتي وخطاط وأخر أسكافي الاحذية المصنوعة من الجلد الطبيعي ورابع للسجاد وخامس للتحف وهكذا بينما يقع هنا وهناك مقاهي لا يزيد حجم الواحدة منها عن حجم الدكان الصغير وقد جلس الصناع أمام الدكاكين يكبون على فنونهم في صبر
وتتصدر الخان مقهى الفيشاوي التي تستطيع أن تحتسي الشاي والقهوة وتثرثر في أي
شيء كيفما شئت قبل أن تبدأ الجولة في الحي العتيق وليس هناك ماهو أمتع من التجوال سيرا على الأقدام داخل أزقة وحواري تحتاج إلى عبقرية في فك ألغازها وإلى حاسة سادسة لمعرفة طلاسمها فالأزقة متراصة كحبات عقد متداخلة كقوس قزح متعدد الألوان ولايعرف أحد حتى الآن الفلسفة المعمارية التي بني على أساسها خان الخليلي فالأرض مبلطة بحجر بازلتي أسود لامع والسوق مسقوف بخشب تحدى الزمن وعوامل التعرية والشمس تتسلل إلى حوانيت عديدة تشكل مع بعضها سراديب مليئة بالكنوز والتحف النادرة والمصنوعة بمهار
وإذا بدأت الرحلة في الخان فلابد وأن تلقي نظرة على ماتبقى من مشربيات مطلة على الشارع أو الحارة وأسبلة جميلة مشغولة واجهاتها بالنحاس وفيها أحواض الماء التي كانت تروي
متابعة القراءة